lundi 20 octobre 2014

مناظر وخواطر

زنجبار... إبداع الخالق وأثر الإنسان (3)

سوق دراجاني - جزيرة زنجبار

يشتغل أغلب سكان زنجبار في الزراعة والصيد، إلى جانب قسم آخر يعمل في المجال السياحي إما في النقل أو الفندقة أو تجارة التحف والمصنوعات التقليدية وغيرها من الخدمات، ومن أشهر الأسواق الشعبية سوق "درجاني" و "كويريكوي" وهذا الأخير متخصص في الخضر والفواكه والمواد الغذائية، بينما نجد في "درجاني" مختلف السلع وهو يتربع على مساحة كبيرة جدا ويقصده مئات الباعة يوميا، وهو مقصد سياحي للعديد من السياح الذين يحبون الاختلاط بالسكان المحليين والغوص في يومياتهم ومراقبة علاقاتهم ومعاملاتهم عن قرب، وفي هذا متعة وفرجة يغفل عنها البعض، حيث أن أهل الجزيرة تجدهم على طبيعتهم ويتعاملون بسجيتهم مع كل من يمر بهم وهم مع طيبتهم وخفة ظلهم لا يدخرون جهدا لاقناعك بكل إلحاح ولطف ! لشراء بضاعتهم، وإن سرت وتركته ودعك بابتسامة الرضى والقناعة، تتعالى أصوات الباعة وتكثر حركة العربات التي يجرها شباب مفتولي العضلات، ينبهون من أمامهم بصوت غريب وذو دلالة سيئة في بعض المجتمعات المسلمة حيث (يبسبسون) في نداء يشبه الذي يستعمله الشاب لاسترعاء انتباه فتاة – بيست بيست – ، والأعجب أنهم يشقون جموع المتسوقين بسرعة جنونية ومع ذلك نادرا ما يصطدمون بأحدهم، وحتى لو اصطدموا فغالبا ما تكون الابتسامة رسالة اعتذار تقابلها ابتسامة غفران !! هكذا بكل بساطة..

ويلحظ فرق بين سوق الخضر وسوق الملابس والأغراض المتنوعة حيث أن الأول يتميز بهدوء نسبي، فتجد البائع يجلس فوق ! الطاولة بجانب خضره وفواكهه وقد تأخذه سنة نوم وهو مستلقي، وتجري الأمور بكل سلاسة وطمئنينة، بينما تتعالى أصوات الباعة المتمركزين أو المتجولين في سوق الملابس ومختلف الأغراض ويكثر الزحام والتدافع، وقد اعتمد الباعة مؤخرا بدعة سيئة للترويج فأصبحوا يستعملون مكبر صوت فيه مسجل يحفظ عبارة يقولها صاحبها فيظل يرددها طوال النهار وبصوت مرتفع يصم المارة.. 
سوق السمك - دراجاني - زنجبار
وقفت مرة أمام بائع سمك فسألت عن ثمن الكيلو فقال مستغربا أنا لا أبيع بالكيلو، فقلت كيف إذن؟ قال أنت تختار ما تشاء ونحدد السعر بعد ذلك، وإن كانت حوتا كبيرا أقطع لك منها ما تحتاج ثم نتفق على سعرها !! بكل بساطة وأريحية، ولاحظت نفس الشيء عند باعة الفواكه فأغلبهم يضع أمامه مجموعات شبه متناسقة من الفاكهة وعليك أن تختار ما تشاء بنفس السعر، وإن رأيت بأن سعر الفاكهة مرتفع يمكنك التفاوض لتخفيضه !!، في السوق أمور تدعوك للحيرة وأخرى تجبرك على الضحك ومنها أن البائع قد تجده مستغرقا في النوم فوق طاولته في أول النهار، أو تجد أحدهم يبيع بضعف سعر جاره مباشرة، لكن هذا لا يعني أن الباعة يخفضون أسعارهم بسهولة عند المفاوضة فأحيانا يتعنتون ولا ينقصون أي "شيلينغ" ولو مجاملة !.
مما أدهشني وهو أمر عادي في الحقيقة ما وجدته من خضروات، فقد كنت أعتقد أني لن أجد في تنزانيا البطاطا والفلفل الأخضر والطماطم والبصل واليقطين وو...، وكنت أتصور أن لهم خضروات استوائية خاصة مثل فواكهم وأن أطباقهم لا تحتاج إلى الخضروات التي عندنا، لكن أطباقهم رغم تشابه المكونات إلا أن مذاقها مختلف تماما ولعل ذلك يرجع إلى الكم الهائل من التوابل التي يستعملونها وأغلبها لا نعرفها. 




ومما يشد الانتباه في أسواقهم ودكاكينهم الصغيرة والكبيرة وجود المرأة سواء الإفريقية أو من أصول هندية، فمثل الزراعة يعتبر عمل المرأة في التجارة أمرا عاديا مع التزامها بحجابها طبعا، كما أن للأطفال حصتهم من السوق فهم غالبا ما يتجولون حاملين على رؤوسهم بعض الفواكه أو المصنوعات اليدوية البسيطة، أو يشقون صفوف الناس لبيع ما في أيديهم من أكياس فارغة لحمل الأغراض.

jeudi 2 octobre 2014

مناظر وخواطر

زنجبار... إبداع الخالق وأثر الإنسان (2)

إحدى الطرق الرئيسية في وسط زنجبار

نزلنا اليخت بخطى متسارعة نحمل حقائبنا المثقلة بأغراض متنوعة، وأتممنا إجراءات الدخول للجزيرة ذلك أنها تعتبر مستقلة جزئيا عن تنزانيا ولها حكومتها المحلية..، ركبنا الحافلة كما يركبها كل الخلق لكن السائق لم يسق بنا كما يسوق كل الخلق – مثلنا في الجزائر على الأقل – فقد ركب من جهة اليمين وسار بنا على الجهة اليسرى للطريق، أربكنا هذا المشهد في البداية ولكن تعودنا عليه، أما ما لم نتعود عليه طوال رحلتنا وكاد يودي بحياتنا فهو اجتياز الطريق راجلين، فقد تعودنا أن ننظر ليسارنا ثم إلى يميننا، أما هنا فالعكس ينبغي أن يكون ولأننا تعودنا لأعوام على ذلك وتولد في عقولنا "منعكس شرطي"، كان لزاما علينا أن نغالب هذا الأمر اللاإرادي في عقولنا وهو شيء صعب للغاية.
في طريقنا كنت أرنو إلى نظرة شاملة لزنجبار فهي جزيرة ويفترض أن تكون صغيرة – كما نتصور دائما – لكنها ليست كمثيلاتها من الجزر، هي لا تمنح زائرها إلا مشاهد قليلة متتالية وكأني بها تشفق على بصرنا وعقولنا من الانبهار، فتجود علينا في كل منعطف بلوحة متميزة غنية ومتفردة، فلأنها مسطحة في أغلبها فهي لا تتيح لنا رؤية إلا ما حولنا عن قرب، الأمر الذي يدعوك لتتأمل ما سقطت عليه عينك في انتظار المشهد الموالي.. 

منازل بسيطة ومجموعة من الأطفال يلهون - زنجبار

أول ما يلحظه الزائر كثرة السياح من شتى الجنسيات، خاصة قرب الميناء ووسط المدينة القديمة، وما إن يبتعد عنها ويتوغل في أدغالها حتى يتنفس نسيم القرى العليل وتكتحل عيناه بمشاهد الحياة القروية البسيطة، منازل من طين سقفت بأوراق النرجيل أو صفائح الزنك ، تتناثر  هذه المنازل على جنبات الطريق الضيق دون نظام، حولها أطفال يلهون بما يصنعونه من ألعاب مادتها الأولية ما يجدونه في طبيعتهم، ومن لعبهم ما يشبه كثيرا ما عندنا من لعب، مثل السيارة التي نصنعها من أسلاك وندفعها أمامنا أو المروحة التي نصنعها بتمزيق قارورة الماء أو (الجافيل) ونضع وسطها مسمارا..، يجرون ويتصايحون أمام أعين أمهاتهم بينما هن يطبخن أو يفرشن القرنفل ليجف أو يرتبن بضاعتهن التي هي غالبا بعض فواكه وتوابل حقلهم الصغير...، كما تستلقي بعضهن على حصير يداعبن ويرضعن ! صغارهن، ممن لهن بنات يقمن بالطبخ والغسيل، وقد تجد لجانبهن أزواجهن جالسين على جذوع النرجيل أو "البرزة" وهو جزء بارز أسفل الجدران إلى الخارج يتخذونه مجلسا،  

البرزة: مكان تجمع الرجال نهاية كل يوم

حيث يمضون ما بقي من يومهم في الثرثرة بعد أن أمضوا نصف يومهم الأول يكدحون في الحقول أو في البحر أو في السوق، هكذا تسير أمورهم بكل هدوء وسلاسة رغم ما في حياتهم من صعوبة وقساوة يكون مصدرها غالبا ما أتت به الحضارة وسعيهم للحاق بمستوى معيشة أهل المدينة...، لا تكاد تخرج من قرية حتى تدخل في أخرى، بينما قد تبصر من بعيد منازل صغيرة متباعدة زرعت بين نخيل جوز الهند وأشجار الموز و"الفينيسي" و "الباباي" والقرنفل، حول تلك المنازل مزارع لبعض الخضروات، وفي مجرى الوديان يزرع الأهالي الأرز، وإن اقتربت أكثر تعرف معنى السكينة والعافية الذي تسبح فيه القرى النائية، عافية انتقلت من عالم الإنس إلى عالم الحيوان وإلا كيف نفسر تجوال الدجاج والبط أمام كلب مستلق إلى جواره هر يأكل من صحنه وماعز ينتقي ما يأكله من خيرات المزرعة... دون أن ننسى أولئك الأطفال وصخبهم وجريهم خلف دراجة جدهم المتهالكة، كل يريد دوره في امتطائها قبل أن يفيق الجد من غفوته ويطلبها ليدرك بها العصر في مسجد القرية..