زنجبار... إبداع الخالق وأثر الإنسان (2)
| إحدى الطرق الرئيسية في وسط زنجبار |
نزلنا اليخت بخطى متسارعة نحمل حقائبنا
المثقلة بأغراض متنوعة، وأتممنا إجراءات الدخول للجزيرة ذلك أنها تعتبر مستقلة
جزئيا عن تنزانيا ولها حكومتها المحلية..، ركبنا الحافلة كما يركبها كل الخلق لكن
السائق لم يسق بنا كما يسوق كل الخلق – مثلنا في الجزائر على الأقل – فقد ركب من
جهة اليمين وسار بنا على الجهة اليسرى للطريق، أربكنا هذا المشهد في البداية ولكن
تعودنا عليه، أما ما لم نتعود عليه طوال رحلتنا وكاد يودي بحياتنا فهو اجتياز
الطريق راجلين، فقد تعودنا أن ننظر ليسارنا ثم إلى يميننا، أما هنا فالعكس ينبغي
أن يكون ولأننا تعودنا لأعوام على ذلك وتولد في عقولنا "منعكس شرطي"، كان
لزاما علينا أن نغالب هذا الأمر اللاإرادي في عقولنا وهو شيء صعب للغاية.
في طريقنا كنت أرنو إلى نظرة شاملة
لزنجبار فهي جزيرة ويفترض أن تكون صغيرة – كما نتصور دائما – لكنها ليست كمثيلاتها
من الجزر، هي لا تمنح زائرها إلا مشاهد قليلة متتالية وكأني بها تشفق على بصرنا
وعقولنا من الانبهار، فتجود علينا في كل منعطف بلوحة متميزة غنية ومتفردة، فلأنها
مسطحة في أغلبها فهي لا تتيح لنا رؤية إلا ما حولنا عن قرب، الأمر الذي يدعوك
لتتأمل ما سقطت عليه عينك في انتظار المشهد الموالي..
| منازل بسيطة ومجموعة من الأطفال يلهون - زنجبار |
أول ما يلحظه الزائر كثرة السياح من
شتى الجنسيات، خاصة قرب الميناء ووسط المدينة القديمة، وما إن يبتعد عنها ويتوغل
في أدغالها حتى يتنفس نسيم القرى العليل وتكتحل عيناه بمشاهد الحياة القروية
البسيطة، منازل من طين سقفت بأوراق النرجيل أو صفائح الزنك ، تتناثر هذه المنازل على جنبات الطريق الضيق دون نظام، حولها
أطفال يلهون بما يصنعونه من ألعاب مادتها الأولية ما يجدونه في طبيعتهم، ومن لعبهم
ما يشبه كثيرا ما عندنا من لعب، مثل السيارة التي نصنعها من أسلاك وندفعها أمامنا
أو المروحة التي نصنعها بتمزيق قارورة الماء أو (الجافيل) ونضع وسطها مسمارا..،
يجرون ويتصايحون أمام أعين أمهاتهم بينما هن يطبخن أو يفرشن القرنفل ليجف أو يرتبن
بضاعتهن التي هي غالبا بعض فواكه وتوابل حقلهم الصغير...، كما تستلقي بعضهن على
حصير يداعبن ويرضعن ! صغارهن، ممن لهن بنات يقمن بالطبخ والغسيل، وقد
تجد لجانبهن أزواجهن جالسين على جذوع النرجيل أو "البرزة" وهو جزء بارز
أسفل الجدران إلى الخارج يتخذونه مجلسا،
| البرزة: مكان تجمع الرجال نهاية كل يوم |
حيث يمضون ما بقي من يومهم في الثرثرة
بعد أن أمضوا نصف يومهم الأول يكدحون في الحقول أو في البحر أو في السوق، هكذا
تسير أمورهم بكل هدوء وسلاسة رغم ما في حياتهم من صعوبة وقساوة يكون مصدرها غالبا
ما أتت به الحضارة وسعيهم للحاق بمستوى معيشة أهل المدينة...، لا تكاد تخرج من
قرية حتى تدخل في أخرى، بينما قد تبصر من بعيد منازل صغيرة متباعدة زرعت بين نخيل جوز
الهند وأشجار الموز و"الفينيسي" و "الباباي" والقرنفل، حول
تلك المنازل مزارع لبعض الخضروات، وفي مجرى الوديان يزرع الأهالي الأرز، وإن
اقتربت أكثر تعرف معنى السكينة والعافية الذي تسبح فيه القرى النائية، عافية
انتقلت من عالم الإنس إلى عالم الحيوان وإلا كيف نفسر تجوال الدجاج والبط أمام كلب
مستلق إلى جواره هر يأكل من صحنه وماعز ينتقي ما يأكله من خيرات المزرعة... دون أن
ننسى أولئك الأطفال وصخبهم وجريهم خلف دراجة جدهم المتهالكة، كل يريد دوره في
امتطائها قبل أن يفيق الجد من غفوته ويطلبها ليدرك بها العصر في مسجد القرية..
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire