lundi 22 décembre 2014


زنجبار...إبداع الخالق وأثر الإنسان (4)  
العمانيون مروا من هنا... 
قصر الساحل الذي بناه السلطان "سعيد البوسعيدي" - زنجبار 

وهب الله تعالى للأفارقة جنة هي "زنجبار" تكون لهم سكنا في دنياهم ومثلا لما سيجدونه ثوابا في أخراهم – إن هم أحسنوا عملا – وزاد فوق هذا أن جلب إليهم قوما لا يحسنون غير التشييد والتعمير "العُمانيون"، فكان نزول العمانيين شرق إفريقيا (من جنوب الصومال شمالا مرورا بكينيا وتنزانيا – بجزرها – وصولا إلى زامبيا والموزمبيق جنوبا وإلى أوغنده وروانده وبورندي والكونغو وغيرها... ناحية الغرب) كالغيث بركة وخيرا على أهلها الأصليين ومستوطنا جديدا رغيدا للوافدين الذين أتو من شعاب عمان الوعرة المقفرة...، وفروا من شرور الفتن والحروب المستعرة، كان مقصد أوائل العمانيين التجارة والدعوة إلى الإسلام بسلوكهم وأخلاقهم، فكان لهم ذلك، وبعد سنين من حكم العمانيين لشرق إفريقيا من "مسقط" جاء أحد أبرز سلاطينهم "سعيد بن سلطان البوسعيدي" لينقل عاصمة سلطنته من مسقط إلى زنجبار فاتخذها عاصمته وأصبح يحكم منها شرق إفريقيا وعمان،وازدهرت زنجبار وما يليها من بلاد الزنج أيما ازدهار وقويت خلال فترة حكمه وحكم أولاده التجارة والصناعة والزراعة وأصبح ميناء زنجبار – ولا يزال – نقطة عبور رئيسة إلى كل دول إفريقيا..، وغدت خيرات الجزيرة من "قرنفل" و "نرجيل" وسمك بأنواعه وخشب تصل أطراف العالم تحدث عن حضارة قامت ودولة عدل نهضت في أقاصي إفريقيا !! حيث الجهل والمرض والفقر كانوا يعيشون في طمأنينة ! حتى جاء من يطردهم، فالفضل الأول يرجع للعمانيين الأوائل ولكن السلطان "سعيد" جاء ليتمم المكرمة فأقام الحضارة وأسس لدولة حديثة وجاء مِن بعدِه أبناؤه فساروا على نفس النهج..
 
غرفة الأميرة "سالمة بنت السيد سعيد" سلطان زنجبار - قصر الساحل

قبل أن تطأ قدماي زنجبار صيف 1435ه / 2013م وأسبر أغوارها كنت قد قرأت بشغف ونهم وشراهة ! كتاب "مذكرات أميرة عربية" للأميرة "سالمة بنت السيد سعيد" – السلطان – وقد أتممت مطالعته في ليلتين وفيه "317" صفحة !، لا لشيء إلا لأني كنت أشعر بقدماي تسيران فوق ما كانت تبدع الأميرة في وصفه، وعيناي وسمعي يتمتعان بما تصوره السيدة "سالمة"، من خلال هذا الكتاب المميز استطعت أن أرسم لوحة عن قصور السلاطين وأجنتهم وشواطئهم واستراحاتهم، وحاولت أن أتخيل ذلك الجو الهادئ في ديوان السلطان وغرف الأميرات والحريم، وتلك الجلبة والضوضاء بفعل نشاط العمال والخدم في قصر "موتني" أو قصر "الساحل" أو استراحة "الواتورو"، والعجيب أن ما تخيلته كاد ينطبق على ما قرأته في الكتاب، لا لسعة خيالي وغناه ولكن لروعة وصف الأميرة ودقته..،حتى أن عيني دمعت لما فتحت نافذة غرفة الأميرة "سالمة" لأطل منها على خليج "فوروضاني" الذي طالما وصفته بكل رومانسية وشاعرية ودقة... فلما اقتربت من النافذة الخشبية الصامدة ! أحسست بقشعريرة تسري في بدني ثم انهمرت دمعة – لم أجد لها تفسيرا – لما شاهدت ما تخيلته طوال 7 سنوات..، حقا أنصح كل من  أحب أن يزور زنجبار أن يقرأه قبلا فسيجد متعة لا تُضاهى..
نظم العمانيون كل شؤون الجزيرة حتى بلغ صدى هذا الجهد العجوز "إنجلترا" فلم يرقها ذلك، فإفريقيا موطن التخلف والتبعية ويجب أن تبقى كذلك، فبدأت بحبك المكائد ونسج الدسائس، وكان أخطرها إرسالها لعميلها "جوليوس نيِيريري" وأعوانه عبيد الإستعمار ليقوم بانقلاب دموي راح ضحيته عشرات الآلاف من العرب العمانيين وقلة من اليمنيين في يناير 1964، لم يكن ذنب أولئك إلا أنهم أحفاد من عبّد الطرق وشق المسالك في الأدغال، وغرس أنواع الأشجار واستقدم القرنفل والنرجيل ليساهما إلى الآن في اقتصاد تنزانيا، وحفروا الآبار واستصلحوا غابات وبنوا المدينةالحجرية  )Stone Towne(  – عاصمة زنجبار – 

وأجروا نهرا من شرق الجزيرة ليسقوا غربها ونشروا العلم واستقدموا من ينشر الدين القويم ويحفظ أبناءهم الذكر الحكيم...، كل هذا وأكثر لم يشفع لهم بل لعله كان سببا لإشعال نار الحقد والحسد والبغضاء في قلوب الأهالي السكان الأصليين !

 طفنا بقصور العمانيين ووقفنا نتأمل مليا ما كانت عليه حياة الأمراء فأحسسنا وكأننا حملنا إلى غرناطة أو إشبيلية، وصلينا بمساجد الجزيرة القديمة فكانت كل زاوية فيها تذكرنا بمساجد إحدى حواضر المسلمين في عهد الأمويين والعباسيين...مع فارق في درجة التزيين والزخرفة، ودخلنا منازل بعض العمانيين لإفطار في رمضان أو جلسة قهوة في شوال فاحتضنتنا بيوتهم وكأنها اشتاقت لرؤيا من ألفت رؤيتهم قبل أن يطردوا، احتضنتنا بمجالسها العربية الخشبية ورفعتنا في قمة السدة لتهدي لنا إطلالة ساحرة على أزقة المدينة وشاطئها، احتفت بقدومنا من بابها المرصع بمختلف النقوش والأشكال التي عجزنا عن حصرها ولم نجد – فيما رأينا – نقشة باب تشبه أخرى وكأنها بصمة تدل على أهلها فحسب.
أحزنني كثيرا حال الزنجباريين من أصول عمانية فأغلب أبنائهم نسوا لغة أجدادهم وكادوا يفقدون دينهم، رغم حفاظهم الواضح على تفاصيل تقاليدهم في ملبسهم ومأكلهم ومشربهم، والأشد إيلاما هو ما آلت إليه آثار الحضارة العمانية،
قصر "بيت العجائب" تظهر آثار تهدم الجزء الخلفي منه - زنجبار

فقد استغلت كمزارات سياحية تدر بالأموال لحكومة الإتحاد ولا تعود بالفائدة على السكان البسطاء، وهي تعاني من إهمال وعدم صيانة ما جعل أجزاء منها تدمر مثل ما حصل "لبيت العجائب" الذي يعد من أروع ما خلد العمانيون...

lundi 20 octobre 2014

مناظر وخواطر

زنجبار... إبداع الخالق وأثر الإنسان (3)

سوق دراجاني - جزيرة زنجبار

يشتغل أغلب سكان زنجبار في الزراعة والصيد، إلى جانب قسم آخر يعمل في المجال السياحي إما في النقل أو الفندقة أو تجارة التحف والمصنوعات التقليدية وغيرها من الخدمات، ومن أشهر الأسواق الشعبية سوق "درجاني" و "كويريكوي" وهذا الأخير متخصص في الخضر والفواكه والمواد الغذائية، بينما نجد في "درجاني" مختلف السلع وهو يتربع على مساحة كبيرة جدا ويقصده مئات الباعة يوميا، وهو مقصد سياحي للعديد من السياح الذين يحبون الاختلاط بالسكان المحليين والغوص في يومياتهم ومراقبة علاقاتهم ومعاملاتهم عن قرب، وفي هذا متعة وفرجة يغفل عنها البعض، حيث أن أهل الجزيرة تجدهم على طبيعتهم ويتعاملون بسجيتهم مع كل من يمر بهم وهم مع طيبتهم وخفة ظلهم لا يدخرون جهدا لاقناعك بكل إلحاح ولطف ! لشراء بضاعتهم، وإن سرت وتركته ودعك بابتسامة الرضى والقناعة، تتعالى أصوات الباعة وتكثر حركة العربات التي يجرها شباب مفتولي العضلات، ينبهون من أمامهم بصوت غريب وذو دلالة سيئة في بعض المجتمعات المسلمة حيث (يبسبسون) في نداء يشبه الذي يستعمله الشاب لاسترعاء انتباه فتاة – بيست بيست – ، والأعجب أنهم يشقون جموع المتسوقين بسرعة جنونية ومع ذلك نادرا ما يصطدمون بأحدهم، وحتى لو اصطدموا فغالبا ما تكون الابتسامة رسالة اعتذار تقابلها ابتسامة غفران !! هكذا بكل بساطة..

ويلحظ فرق بين سوق الخضر وسوق الملابس والأغراض المتنوعة حيث أن الأول يتميز بهدوء نسبي، فتجد البائع يجلس فوق ! الطاولة بجانب خضره وفواكهه وقد تأخذه سنة نوم وهو مستلقي، وتجري الأمور بكل سلاسة وطمئنينة، بينما تتعالى أصوات الباعة المتمركزين أو المتجولين في سوق الملابس ومختلف الأغراض ويكثر الزحام والتدافع، وقد اعتمد الباعة مؤخرا بدعة سيئة للترويج فأصبحوا يستعملون مكبر صوت فيه مسجل يحفظ عبارة يقولها صاحبها فيظل يرددها طوال النهار وبصوت مرتفع يصم المارة.. 
سوق السمك - دراجاني - زنجبار
وقفت مرة أمام بائع سمك فسألت عن ثمن الكيلو فقال مستغربا أنا لا أبيع بالكيلو، فقلت كيف إذن؟ قال أنت تختار ما تشاء ونحدد السعر بعد ذلك، وإن كانت حوتا كبيرا أقطع لك منها ما تحتاج ثم نتفق على سعرها !! بكل بساطة وأريحية، ولاحظت نفس الشيء عند باعة الفواكه فأغلبهم يضع أمامه مجموعات شبه متناسقة من الفاكهة وعليك أن تختار ما تشاء بنفس السعر، وإن رأيت بأن سعر الفاكهة مرتفع يمكنك التفاوض لتخفيضه !!، في السوق أمور تدعوك للحيرة وأخرى تجبرك على الضحك ومنها أن البائع قد تجده مستغرقا في النوم فوق طاولته في أول النهار، أو تجد أحدهم يبيع بضعف سعر جاره مباشرة، لكن هذا لا يعني أن الباعة يخفضون أسعارهم بسهولة عند المفاوضة فأحيانا يتعنتون ولا ينقصون أي "شيلينغ" ولو مجاملة !.
مما أدهشني وهو أمر عادي في الحقيقة ما وجدته من خضروات، فقد كنت أعتقد أني لن أجد في تنزانيا البطاطا والفلفل الأخضر والطماطم والبصل واليقطين وو...، وكنت أتصور أن لهم خضروات استوائية خاصة مثل فواكهم وأن أطباقهم لا تحتاج إلى الخضروات التي عندنا، لكن أطباقهم رغم تشابه المكونات إلا أن مذاقها مختلف تماما ولعل ذلك يرجع إلى الكم الهائل من التوابل التي يستعملونها وأغلبها لا نعرفها. 




ومما يشد الانتباه في أسواقهم ودكاكينهم الصغيرة والكبيرة وجود المرأة سواء الإفريقية أو من أصول هندية، فمثل الزراعة يعتبر عمل المرأة في التجارة أمرا عاديا مع التزامها بحجابها طبعا، كما أن للأطفال حصتهم من السوق فهم غالبا ما يتجولون حاملين على رؤوسهم بعض الفواكه أو المصنوعات اليدوية البسيطة، أو يشقون صفوف الناس لبيع ما في أيديهم من أكياس فارغة لحمل الأغراض.

jeudi 2 octobre 2014

مناظر وخواطر

زنجبار... إبداع الخالق وأثر الإنسان (2)

إحدى الطرق الرئيسية في وسط زنجبار

نزلنا اليخت بخطى متسارعة نحمل حقائبنا المثقلة بأغراض متنوعة، وأتممنا إجراءات الدخول للجزيرة ذلك أنها تعتبر مستقلة جزئيا عن تنزانيا ولها حكومتها المحلية..، ركبنا الحافلة كما يركبها كل الخلق لكن السائق لم يسق بنا كما يسوق كل الخلق – مثلنا في الجزائر على الأقل – فقد ركب من جهة اليمين وسار بنا على الجهة اليسرى للطريق، أربكنا هذا المشهد في البداية ولكن تعودنا عليه، أما ما لم نتعود عليه طوال رحلتنا وكاد يودي بحياتنا فهو اجتياز الطريق راجلين، فقد تعودنا أن ننظر ليسارنا ثم إلى يميننا، أما هنا فالعكس ينبغي أن يكون ولأننا تعودنا لأعوام على ذلك وتولد في عقولنا "منعكس شرطي"، كان لزاما علينا أن نغالب هذا الأمر اللاإرادي في عقولنا وهو شيء صعب للغاية.
في طريقنا كنت أرنو إلى نظرة شاملة لزنجبار فهي جزيرة ويفترض أن تكون صغيرة – كما نتصور دائما – لكنها ليست كمثيلاتها من الجزر، هي لا تمنح زائرها إلا مشاهد قليلة متتالية وكأني بها تشفق على بصرنا وعقولنا من الانبهار، فتجود علينا في كل منعطف بلوحة متميزة غنية ومتفردة، فلأنها مسطحة في أغلبها فهي لا تتيح لنا رؤية إلا ما حولنا عن قرب، الأمر الذي يدعوك لتتأمل ما سقطت عليه عينك في انتظار المشهد الموالي.. 

منازل بسيطة ومجموعة من الأطفال يلهون - زنجبار

أول ما يلحظه الزائر كثرة السياح من شتى الجنسيات، خاصة قرب الميناء ووسط المدينة القديمة، وما إن يبتعد عنها ويتوغل في أدغالها حتى يتنفس نسيم القرى العليل وتكتحل عيناه بمشاهد الحياة القروية البسيطة، منازل من طين سقفت بأوراق النرجيل أو صفائح الزنك ، تتناثر  هذه المنازل على جنبات الطريق الضيق دون نظام، حولها أطفال يلهون بما يصنعونه من ألعاب مادتها الأولية ما يجدونه في طبيعتهم، ومن لعبهم ما يشبه كثيرا ما عندنا من لعب، مثل السيارة التي نصنعها من أسلاك وندفعها أمامنا أو المروحة التي نصنعها بتمزيق قارورة الماء أو (الجافيل) ونضع وسطها مسمارا..، يجرون ويتصايحون أمام أعين أمهاتهم بينما هن يطبخن أو يفرشن القرنفل ليجف أو يرتبن بضاعتهن التي هي غالبا بعض فواكه وتوابل حقلهم الصغير...، كما تستلقي بعضهن على حصير يداعبن ويرضعن ! صغارهن، ممن لهن بنات يقمن بالطبخ والغسيل، وقد تجد لجانبهن أزواجهن جالسين على جذوع النرجيل أو "البرزة" وهو جزء بارز أسفل الجدران إلى الخارج يتخذونه مجلسا،  

البرزة: مكان تجمع الرجال نهاية كل يوم

حيث يمضون ما بقي من يومهم في الثرثرة بعد أن أمضوا نصف يومهم الأول يكدحون في الحقول أو في البحر أو في السوق، هكذا تسير أمورهم بكل هدوء وسلاسة رغم ما في حياتهم من صعوبة وقساوة يكون مصدرها غالبا ما أتت به الحضارة وسعيهم للحاق بمستوى معيشة أهل المدينة...، لا تكاد تخرج من قرية حتى تدخل في أخرى، بينما قد تبصر من بعيد منازل صغيرة متباعدة زرعت بين نخيل جوز الهند وأشجار الموز و"الفينيسي" و "الباباي" والقرنفل، حول تلك المنازل مزارع لبعض الخضروات، وفي مجرى الوديان يزرع الأهالي الأرز، وإن اقتربت أكثر تعرف معنى السكينة والعافية الذي تسبح فيه القرى النائية، عافية انتقلت من عالم الإنس إلى عالم الحيوان وإلا كيف نفسر تجوال الدجاج والبط أمام كلب مستلق إلى جواره هر يأكل من صحنه وماعز ينتقي ما يأكله من خيرات المزرعة... دون أن ننسى أولئك الأطفال وصخبهم وجريهم خلف دراجة جدهم المتهالكة، كل يريد دوره في امتطائها قبل أن يفيق الجد من غفوته ويطلبها ليدرك بها العصر في مسجد القرية..

vendredi 26 septembre 2014

مناظر وخواطر


زنجبار... إبداع الخالق وأثر الإنسان (1)
فوروضاني: الواجهة البحرية لجزيرة زنجبار - تنزانيا






تردد اسم هذه الجزيرة كثيرا حولي، كنت في الإعدادي لما سمعت باسم هذه الجزيرة لأول مرة ومنذ تلك اللحظة وأنا أنسج في مخيلتي صورا لهذه الجزيرة، لا أعلم لهذه اللحظة سبب اهتمامي بها وانجذابي إليها، قد يكون اسمها الغريب؟ أو موقعها الجغرافي النائي؟ أو لغة أهلها القريبة من العربية؟، قادني فضولي لأن أخالط طلبة قدموا من هنالك ليدرسوا عندنا في الجزائر، فزاد عطشي وطال أرقي ! فكلما حدثوني عن ركن في جزيرتهم أو قصوا علي جزءا من تاريخها أو وصفوا لي بعض عادات أهلها.. زادت رغبتي لأنزل أرض الجزيرة وأكتشف ما فيها من أسرار وخبايا، هكذا ودون دليل أو مرشد. ثم جاءت التكنولوجيا لتلهب نار شوقي لتلكم البقاع، فبعد أن كنت أمضي العشايا والسهرات في الاستماع لأخبار أهل الجزيرة ويومياتهم، غدوت أقضي الساعات في تأمل الصور التي يجود بها علي الطلبة كلما قفلوا عائدين من جزيرتم بعد عطلة الصيف، عند هذا الحد قررت أن أبدأ في التخطيط جدّيا لزيارة الجزيرة فتوالت المحاولات وتعاقبت الإخفاقات (أو التجارب)  حتى تحقق الحلم، ووصل الفتى إلى مبتغاه ونزل "أحمد" أرض "الميعاد" !، فكانت الحقيقة أبلغ من الخيال... طوال الطريق على متن الطائرة بين الجزائر ودار السلام ثم على اليخت السريع بين دار السلام وزنجبار كنت أستذكر معلوماتي وأحاول أن أجمع ما تشتت من صور طوال عشر سنوات !  منذ أن سمعت عن جزيرتي !، لم يخيب اليخت ظننا فطوى عنا بعد مقصدنا وتمايل بنا بين أمواج المحيط وارتفع بنا وانخفض كثيرا وبشدة أحيانا حتى بدت من بعيد شواطئ زنجبار التي قال عنها أحد السياح البريطانيين – والذي طاف بعدة بلدان – أنها أجمل شواطئ العالم !، كنت أرقب ذلك المنظر وتلك اللوحة الرائعة التي طالما تأملتها وذهلت من هيبتها.. منظر ميناء زنجبار الذي تصطف فيه قلاع وقصور ودور العمانيين الأوائل في وقار وهيبة... واجهة بيضاء تزينها خطوط بنية أو سوداء، هي تلك النوافذ والشرفات الخشبية المرصعة بنقوش فنية دقيقة تذكر رائيها بزمن ازدهار حضارة المسلمين شرقا وغربا في بلاد الفرس والأندلس...، شرفات تطل على خليج صغير  تتراقص في مياهه عشرات القوارب الخشبية العتيقة والسفن واليخوت الفخمة.. تترنح جميعا متجاورة فوق أمواج خفيفة في وئام وتآلف !، ترصع اللوحة – أو الواجهة البحرية – بعض أشجار المانجو الضخمة، ونخيل النرجيل تتسابق نحو الفضاء وأنواع أخرى من أشجار الجزر الإستوائية، وفي سماء الميناء ترسو مجموعة من سحب بيضاء آثرت المكوث فوق الجزيرة تراقب من علٍ الحياة الهادئة في ربوع الجزيرة...
رغم أني شاهدت هذا المنظر في صور فوتوغرافية عالية الجودة من قبل.. إلا أني أحسست بعظمة الخالق تتجلى في روعة خلقه لعيني التي أهدت لي رؤية أشمل وأوضح وبالتأكيد أروع...
هل أتممت الحديث عن روائع زنجبار؟ كلى فأنا لم أتحدث سوى عن واجهتها البحرية ولمّا أغص بعدُ في أعماقها وأسبر أغوارها وأكشف لكم كنوزها العديدة..  
الجزائر: الأربعاء 30 ذو القعدة 1435 ه / 24 سبتمبر 2014م.